اعتذارات مسرحية



اعتذارات مسرحية

جلال جواد .. اعتذارات مسرحية

اعتذارات مسرحية حضرت بالأمس عرضا مسرحيًا في مسابقة إبداعات شبابية لفرقة مسرح الدن للثقافة والفن، أذكُر الفرقة هنا لإيمانِي التام أن المسابقة تحولت لمسابقةٍ على مستوى الفرق المسرحية وليس على مستوى الأندية وإني حين  أذكر ذلك لا أجد ضررًا فيه، وعلى العموم في هذا خروجٌ غير محبب عن النص. وصلت إلى مسرح الكلية التقنية العليا كعادتي السيئة متأخرًا، و كنت أحث الخطى طمعًا في الوصول قبل بداية العرض؛ حتى لا يفوتني جزء من العرض، وكي أجد مكانا جيدًا بين الحضور، ولحسن الحظ أو لسوئه، وصلتُ قبل بداية العرض لأشاهد آخر الضيوف يدخل إلى القاعة من الغرفة التي يطلق عليها اصطلاحًا قاعة كبار الضيوف فأسرعت في خطواتي كي ألحق بهم، ولكني وصلت بعد آخرهم ببضع خطوات، فمنعني الشاب الممتلئ من الدخول إلى المقاعد الأمامية معتذرًا بابتسامة محببة بأن المقاعد الأمامية محجوزة للجان المنظمة، فاعتذرت له لأني لست من اللجان المنظمة، و لست من ضيوف الشرف وتفهمت ذلك  فاتجهت إلى المقاعد الخلفية أبحث عن مكان جيد يتيح لي رؤية مناسبة للمسرح. وصلت إلى المقاعد الخلفية ، وأخذت أبحث لنفسي بعناية عن مقعد جيد، أوعن مقعد على الأقل في قاعة شبه ممتلئة، فالدن هي صاحبة العرس اليوم ومحبيها كُثر، حاولت أن أجلس على يمين المسرح فإذا بشباب الكشافة يمنعونني لسبب لم أفهمه، فاعتذرت لهم على تطفلي، وعدم فهمي، وكررت الاعتذار لتأخري.  كما منعني حيائي من الجلوس في باقي المقاعد لجلوس النساء فيها، واعتذرت مجددًا عن تأخري، وتطفلي ثم توجهت إلى المنتصف، وبينما أنا أتصيد المقاعد إذا بصوت يناديني، و كان لأحد الشباب المسرحيين يدلني على مقعد فارغٍ يتيم في منتصف المسرح، فاعتذرت من الجالسين وأنا أزعجهم بمروري أمامهم، حتى أصل إلى الكرسي المنشود في الوسط الأعلى من القاعة تقريبًا، وأخيرًا بكل زهو الفاتحين أرخيت جثتي على قماش المقعد انتظر بداية العرض المسرحي الدني. وما إن هدأت في مقعدي إلا ولاحظت ثلاثة أعمدة إضاءة، كامرتين ومصورين يقفان بيني وبين العرض المسرحي، وهنا تأففت كثيرًا لكني اعتذرت للكاميرات التي تسجل العرض، والمصورين والإضاءة التي تجمَل العرض المسرحي عن تأخري في الوصول، وعن ازعاجي لهم بجلوسي خلفهم، ومحاولتي كلاعب كرة قدم محترف فتح ثغرةٍ في دفاعاته، لأسجل لحظات أهداف لها من العرض، و بعد أن تعبت من محاورة الكاميرات و المصورين، أرخيت جسدي على الكرسي، وأسدلت ستار جفني متأملًا حال مسرحنا في عيده. جاءني الشيطان اللعين يلعبُ بأفكاري فيجبرني على الجرأة في السؤال، أما آن للمسرحيين في هذا البلد أن يكون لهم مسرح؟؟  أما آن لثلاثة وثلاثين فرقة مسرحية أن يكون لها مسرح مجهز بإضاءته في العاصمة مسقط، أما آن لنا أن يكون لنا مسرح نرجع إليه، ونقدم عليه عروضنا لينقذنا من بذاءة الطلب، وظلم السؤال عن مسارح خاصة، وغير مجهزة في عاصمة وصفت في يوم من الأيام بعاصمة الثقافة العربية، أما حان الوقت ليكون لنا مسرح مجهز يجاور دار الأوبرا العملاقة المقامة في مسقط، وتكلفته بكل تأكيد لن تتجاوز تكلفة عرضٍ من عروضها، أما آن لهذا الشباب الرائع المولع بحب المسرح أن يكون له ركح يضمه، ثم أخرستني الحقيقة المرة.  جمعية المسرحيين التي أنا جزء منها هي جمعية يتيمة لا تدعمها الحكومة بشيء، مقارنة بمئات الآلاف من الريالات لجمعيات أخرى،  كجمعية السينما و جمعية الصحفيين و جمعية الكتاب و الأدباء، بل إن المنحة التي وُعِدنا بها من أجل مقر قد ضيعت بين الديوان و وزارة التنمية الاجتماعية،  و أصبحنا نشحت مقرًا بين الجمعيات، لماذا يا سيدي المسرح لا أحد يرغب في الوقوف معك رغم كل مناصريك؟! أعوذ بالله من شيطان السؤال، أيقظني تصفيق الجمهور من حلمي الواعي فقد انتهى العرض، صفقنا طويلًا لشباب يأبون الاستسلام لواقعهم ويتمسكون رغم كل شيء بحب المسرح، اعتذرت لهم وللمسرح عن تأخري في الحضور، واعتذر للجميع عن كل أفكاري التي وضعتها هنا.

 جلال جواد